الاثنين، 26 نوفمبر 2018

حاجب بن زرارة و كسري





     ورد إلينا في خبر أجدادنا أنه توالت في الجاهلية علي مضر الجدوبة والقحط وشح الماء سبع سنين حتي  هلك الحرث وكاد ان يهلك النسل  فلما  رأي حاجب  بن زرارة الجدب  قد أثر علي قومه وأجهدهم جمع بني زرارة فقال : إني قد أزمعت علي أن آتي الملك فأطلب إليه أن يأذن لقومنا فيكونوا تحت هذا البحر حتي يحيوا ، فتلكأ بعضهم عليه ( تغامزوا بالسخرية ) وقال بعضهم رشدت فافعل ؛ غير أنا نخاف عليك بكر بن وائل لما كان بيننا وبينهم ، و لابد لك من  ورود مياههم . فقال : ما منهم وجه من الناس ولا شريف  إلا ولي عنده يد خضراء إلا ابن الطويلة التيمي ،و أنا أرجو أن أداريه ؛ ثم  ارتحل .
       فجعل لا يأتي علي ماء لبكر إلا أكرمه سيدهم ، و نحر له  وقراه ، حتي نزل قضوان وعليه ابن الطويلة التيمي ، أي ( و ملكها وسيدها ) فلما أصبح الصباح  ونادي قضوان قريب من المنزل الذي نزل به حاجب بن زرارة   فأمر بنطع ( قطعه من الجلد ) ثم أمر فصب عليه التمر ؛ ثم نادي حي علي الغداء .
     فنظر ابن الطويلة ، فوجد أنه حاجب فقال لأهل المجلس : أجيبوه ؛ فإنه سيد قومه ، فأتي إليه القوم وأكلوا معه  ثم أهدي إليه بن الطويلة جزوراً  ( أبل صغير ) وشياهاً ، فنحر وأكل و أطعم .
     و لما أراد حاجب الرحيل  قال له ابن الطويلة  : إني معك حتي تبلغ مأمنك ؛ فإني لا أدري ما يعرض لك أمامك .
فقال له حاجب : ليس أمامي أحد أخافه علي .
      وأرتحل حاجب حتي وصل إلي كسري  فلما رأه شكا له الجدب و قلة الماء والكلأ وقلة الأموال ، وطلب من كسري أن يأذن لهم فيكونوا في حد بلاده حتي يعيشوا ويحيوا فقال له كسري : إنكم  معشر العرب تحرصون علي الفساد فإذا أذنت لكم أفسدتم البلاد و أغرتم علي الرعية وأذوتوهم  . فقال حاجب  : فإني ضامن للملك ألا يفعلوا ،  قال كسري : ومن لي بأن تفي بما تقول ؟ فقال حاجب  : أرهنك قوسي بالوفاء بما ضمنت لك .
     فلما جاء حاجب بقوسه ضحك القوم الذين حول الملك لما رأوا قوسه وقالوا :بهذه العصا تفي للملك بما ضمنت .
فقال الملك لهم : ما كان ليسلمها لشئ أبداً . وأمرهم فقبضوها ، وأذن الملك للعرب في أن يدخلوا المراعي ويقيمون علي حدود بلاده .
     مكث بنو زرارة في بلاد كسري حين من الزمن و مات حاجب  ، وبعدها زال القحط  وخرج  بنو زرارة إلي بلادهم  وذهب عطارد بن حاجب إلي كسري ليطلب قوس أبيه ، ولما دخل علي كسري وكلمه في القوس قال له كسري : ما أنت بالذي وضعتها عندي . فقال عطارد : أجل أيها الملك ! ما أنا الذي وضعتها . فقال كسري ماذا فعل الذي وضعها عندي ؟ قال له عطارد : هلك  ، وهو والدي ، وقد وفي لك أيها الملك بما ضمن لك عن قومه ، ووفي هو بما قال للملك ؛ قال كسري : ردوا عليه قوسه وكساه . ضرب لنا حاجب بن زراره وابنه عطار وكسري أروع المثل في الوفاء بالعهود .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق