ورد إلينا في ما مضي أن أرسل هرقل ملك الروم
الي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يسأله عن عدة أمور يسأله عن الشئ و لا شئ ، وعن دين لا يقبل غيره ، وعن مفتاح الصلاة ، و
عن غرس الجنة ، و عن صلاة كل شئ ، وعن أربعة فيهم الروح و لم يركضوا في أصلاب
الرجال و أرحام النساء ، و عن رجل لا أب له ، وعن رجل لا أم له ، وعن قبر جري
بصاحبه ، وعن قوس قزح ما هو ، وعن بقعه طلعت عليها الشمس مرة واحدة ولم تطلع عليها
قبلها ولا بعدها ، وعن ظاعن ظعن مرة واحدة لم يظعن قبلها ولا بعدها ، وعن شجرة نبتت من غير ماء ، وعن شئ
تنفس ولا روح له ، وعن اليوم وأمس و غد
وبعد غد ، وعن البرق والرعد وصوته ، و عن المحو الذي في القمر . تلك هي الرسالة التي
وصلت من هقل ملك الروم الي معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه
فنظر معاويه في حاشيته ليجد من يجيب عن تلك
الرسالة فقال له بعض حاشيته لست لها يا أميرنا ومتي أخطأت في شئ سقطت من نظر هرقل فأكتب
الي ابن عباس يخبرك عن تلك المسائل .
فكتب معاوية الي ابن عباس حبر الأمة وفقيهها
و إمام التفسير فاتته الإجابة كالأتي
الشئ هو الماء قال تعالي : { وجعلنا من الماء
كل شئ حي } ( الأنبياء الآيه 30 )
وأما
لا شئ فأنها الدنيا تبيد وتفني .
و أما دين لا يقبل الله غيره ، فلا إله إلا
الله ، وأما مفتاح الصلاة ، فالله أكبر ،
وأما غرس الجنة ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، و أما صلاة كل شئ ،
فسبحان الله وبحمده ، و أما الأربعة الذين
فيهم الروح ولم يركضوا في أصلاب
الرجال وأرحام النساء ، فآدم و حواء وناقة
صالح و كبش إسماعيل ، و أما الرجل الذي لا أب له فالمسيح ، و أما الرجل الذي لا أم
له فآدم عليه السلام ، و أما القبر الذي جري بصاحبه فهو حوت يونس عليه السلام سار به في البحر . و
أما قوس قزح فأمان من الله لعباده من الغرق ، و أما البقعة التي طلعت عليها الشمس
مرة واحدة فبطن البحر حين انفلق لبني إسرائيل ، وأما الظاعن الذي ظعن مرة ولم يظعن
قبلها ولا بعدها فجبل طور سيناء كان بينه
وبين الأرض المقدسة أربع ليال فلما عصت
بنو إسرائيل أطاره الله تعالي بجناحين
فنادي مناد إن قبلتم التوراة كشفته عنكم وإلا القيته عليكم ، فأخذوا
التوراة معذرين فرده الله إلي موضعه وذلك
في قوله تعالي { إذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم } ( الأعراف
الآية 171 ) .و أما الشجرة التي تنبت من غير ماء
فهي شجرة اليقطين التي أنبتها الله تعالي علي يونس عليه السلام ، وأما الشئ
الذي يتنفس بلا روح فالصبح قال الله تعالي { والصبح إذا تنفس }( التكوير الآية 18
) و أما اليوم فعمل وأمس فمثل و غد فأجل وبعد غد فأمل .و أما البرق فمخاريق بأيدي
الملائكة تضرب بها السحاب ، و أما الرعد فاسم الملك الذي يسوق السحاب وصوته زجره ،
وأما المحو الذي في القمر فقول الله تعالي
{ وجعلنا اليل و النهار إيتين فمحونا أية اليل وجعلنا أية النهار مبصرة } (
الإسراء الآية 12 ) ولولا ذلك المحو لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل . ذلك ما سأل عنه هرقل ملك
الروم وأجابه بن عباس إجابة وافية ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق